قضية العسكر في الارجنتين
العفو عن عسكريين وإغلاق مبنى المدرسة البحرية
22/03/2004


مع اقتراب الذكرى 28 للإنقلاب العسكري سنة 1976 والذي يصادف يوم 24 مارس القادم، تناولت أهم الصحف الأرجنتينية منذ تاريخ 3/3/2004 وحتى تاريخ تحرير هذا الموضوع قضية قرار العفو الذي أصدره "كارلوس منعم" لصالح أعضاء اللجنة العسكرية التي نفذت انقلاب سنة 1976، وأهم الجماعات السياسية والمدنية التي تطالب بإلغاء ذلك القرار. كما تزامنت هذه القضية مع أخرى تمثلت في الضغط على حكومة "كرتشنر" لتحويل مقر المدرسة الميكانيكية التابعة للبحرية ESMA (والتي يفترض أن اللجنة العسكرية المذكورة أتخذت منها مقرا لتعذيب ما يقارب من 5000 معتقل يساري) إلى متحف للذاكرة الوطنية وذلك اعتبارا من الذكرى القادمة لذلك الانقلاب، أي في 24 مارس2005م.
وقد جاء عن السيدة "أستيلا كارلوتو" Carlotto رئيسة تجمع "جدات ساحة مايو" (جدات الأطفال المختفين خلال تلك الحقبة العسكرية) في مقالة بصحيفة "Página 12" الصادرة في 3/3/2004، أنها تقدمت بمذكرة للبرلمان الأرجنتيني بهدف إلغاء قرار العفو الصادر في عهد "كارلوس منعم" لصالح بعض العسكريين من أمثال "كارلوس غيليرمو سواريس مايسون" Suárez Mason أحد عناصر ذلك الانقلاب. نفس الطلب تقدمت به للبرلمان السيدة "باتريسيا وولش Walsh زعيمة حزب "اتحاد اليسار" (والتي أغتيل والدها على أيدي العسكريين أنفسهم سنة 1977). قرار الإلغاء كان ينتظر موافقة كرتشنر وهو ما حدث بإيعاز منه أخيرا عن طريق القاضي "كانيكوبا كورال" يوم الجمعة الماضي حيث أعتبر قرار العفو منافيا للدستور وبالتالي ملغي (صحيفة كلارين 20/3/2004). وكان الرئيس "كرتشنر" استقبل رئيسة حركة "أمهات ساحة مايو" السيدة "بونافيني" Bonafini في أول زيارة لها لمقر الرئاسة منذ 26 سنة، حيث أعربت عن ثقتها في هذه الحكومة دون غيرها لكونها حكومة أطاحت بالزعامات العسكرية والبوليسية واستولت على مبنى المدرسة الميكانيكية للقوات البحرية ESMA لتسلمها لأمهات وجدات ساحة مايو في الذكرى القادمة للإتقلاب العسكري إلى جانب إلغاء قانوني "نقطة النهاية" و "وجوب الطاعة"(صحيفة كلارين – 7/3/2004). (أنظر التعليق أسفل الصفحة عن القانونين المعنيين واللذين أصدرتهما حكومة ألفونسين سنة 1985).
وقد تزامن كل هذا مع أخبار عن اعتراف قائد القوات البحرية الأميرال "خورخي عمر غودوي" خلال خطاب عسكري بالجرائم التي اقترفها العسكريون فترة حكمهم المذكورة (صحيفة "كلارين" 4/3/2004). كما أدى هذا الاعتراف إلى استقالة الأميرال "كارلوس مازوني" (مدير العمليات والسياسة والخطط العسكرية) استنكارا لما يجري ضد المؤسسة العسكرية (صحيفة "لاناسيون" 6/3/2004). ورأي بعض المحللين أن إعتراف قائد البحرية بما اقترفه عسكريو انقلاب 1976 ما هو إلا محاولة يائسة بهدف إنقاذ بقية الهيكل العسكري وتفادي إفلات مبنى المدرسة البحرية من سيطرتهم (المؤرخ "بوتاش" صحيفة "لاناسيون" 5/3/2004)، بالرغم من معرفته مسبقا بقرار الرئيس كرتشنر النهائي باستلاب هذا المقر لصالح المجتمع المدني في 24 مارس القادم (صحيفة "بأخينا 12- 7/3/2004). وفي إطار الاستعدادات لهذا التحول قام الرئيس "كرتشنر" في 19/3 الماضي بزيارة - هي الأولى من نوعها من طرف مسؤول كبير- إلى مقر المدرسة الميكانيكية رغم معارضة بعض حكام الولايات البيرونيين (قدامى أصدقاء "منعم") ممن لا يستحسنون علاقته "بأمهات ساحة مايو".
الطريف في الأمر أن كل هذه الوقائع والأخبار والأحداث تكررت بشكل يكاد يكون منسوخ في عهد الرئيس "كارلوس منعم" كما سنرى فيما بعد وكأن الأمر متعلق بقضية تخدم مصلحة الحكومات المتتالية وتستغل أستغلال سياسيا "لتبييض شرعيتها" ناهيك عن كونها قضية تعكس اليوم صراعا يدور داخل الحزب البيروني بين مختلف ألوان الطيف التي بات يتشكل منها هذا الحزب بين يمين ووسط ويسار. وفيما يلي نبذة عن تطورات هذه القضية في العقد الأخير من الزمن:


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في شهر الربيع - مارس 1998 شهد مسرح الأحداث في الأرجنتين صراعا بين الواقع السياسي والمدني أو ما سمي حينها بـالنزاع حول "عقدة الماضي العسكري"، وهو تعبير يشار من خلاله إلى تلك "المرحلة من الحكم العسكري المحصورة في الفترة بين 1976 و 1983 وليدة الانقلاب الذي استغل ضعف حكومة إيزابيل - زوجة الزعيم بيرون- وموافقتها للجيش بقمع من وصفوا بـ "المونتونيروس" من المتمردين واليساريين أو "الارهابيين" من خصوم بيرون المنشقين عنه بسبب تخليه عن حركتهم الثورية في آخر عهده حيث أنه بعد عودته من المنفى أعرب عن تخليه عنهم وطالبهم أن "يعودوا إلى منازلهم" في إشارة إلى أن زمن الثورة قد ولى وأنهم لم يعودوا الورثة ولا الخيار السياسي لقيادة الحركة البيرونية. غير أن عناصر تلك الحركة البيرونية أخفقوا في توحيد صفوفهم لوجود خلاف بين الشق اليساري أو "المونتونيروس" الداعين لتأسيس "وطن اشتراكي"من جهة، والشق اليميني البيروني الداعي لبناء "الوطن البيروني" ونبذ فكر اليسار، وكذلك الحركة العمالية، فتشتتت قواهم في صراع على السلطة فيما بينهم. تلك المجموعات اليسارية كانت في نفس الوقت تنفذ عمليات ضد عناصر الحكومة العسكرية وضد بعض رجال الأعمال بينما بيرون في المنفى (1955-1973). المقاومة تشكلت سنة 1969 وكانت متمثلة في جماعات "مونتونيروس"، وهم مقاتلين مدنيين من الوطنيين الكاثوليكيين، والشبيبة البيرونية JP و"اليسار الثوري" و"الكاثوليكيين التقدميين"، والوطنيين التقليديين". كذلك تشكلت في ولاية "توكومان" حركة من يسمون بـ "الجيش الثوري الشعبي" ERP ذو الايديولوجية الماركسية والتروتسكية. إثر الانقلاب العسكري سنة 1976 مورس "إرهاب الدولة" ضد تلك الحركات المدنية النشطة ومورس التعذيب ضد كل من يشتبه في انتمائه إلى تلك الحركات دون محاكمة مسبقة ولا تحقيق أو تمييز. كما سميت تلك الفترة العسكرية بـفترة "استعادة النظام الوطني" من قبل اللجنة العسكرية المنفذة للإنقلاب المذكور بهدف وضع حد لما وصفته بـ "التمرد والارهاب" وتجريد جماعة "مونتونيروس" و "الجيش الثوري الشعبي" من السلاح وإعادة هيكلة الاقتصاد لإنقاذ المجتمع من الفوضى والأزمة الاقتصادية في وقت واحد. وقد أخذ على الحكومة العسكرية عالميا مبالغتها في القتل والتعذيب بدون محاكمات مسبقة مبررين ذلك بأنهم "في حالة حرب ليس إلا، وبأن الشعب يريد حلا للأزمة الاقتصادية و"الإرهاب" بغض النظر عن الوسيلة المتبعة لتحقيق ذلك" على حد تعبير الشارع الأرجنتيني.
في ذلك الشهر (الربيع 1998) أثير الجدل داخل البرلمان إثر تقدم تحالف المعارضة حينذاك (La Alianza) بمشروع يقضي بإلغاء قرارين بالعفو عن عسكريين متهمين "بجرائم ضد المدنيين" (تماما كما يحدث حاليا) كانت أصدرته حكومة "كارلوس منعم" سنة 1990 لصالح الجنرال "بيديلا" Videla و الأميرال "ماسيرا" Massera وغيرهم ممن خضعوا للمحاكمة من قبل حكومة ألفونسين "الديمقراطية" سنة 1985. غير أن حكومة "راؤول ألفونسين" فيما بعد وتحت الضغط والتمردات العسكرية المتوالية من قبل العقيد "ألدو ريكو" (1986 و 1987) أصدر قانونين بالعفو عن عسكريين ( سميا "قانون نقطة النهاية" و "قانون وجوب الطاعة") يقضيا بالعفو النهائي عن عسكريين آخرين تحت إمرتهم متهمين بممارسة "إرهاب الدولة" ولكن شملهم قرار العفو بإعتبار أنهم كانوا "ينفذون أوامر رؤسائهم" مما يسقط عنهم العقوبة. أما عضوا اللجنة العسكرية التي نفذت انقلاب سنة 1976 وهما الجنرال "بيديلا" والأميرال "ماسيرا" فقد شملهما عفو تام أصدره الرئيس السابق "كارلوس منعم" سنة 1990. هذا العفو بالتحديد هو ما تسعى إلى إلغائه اليوم جماعة "أمهات ساحة ما يو" (وجدات وأرامل المعتقلين المدنييين أو"الثوار" اليساريين المختفين خلال ما عرف في تلك الحقبة العسكرية بـ "الحرب القذرة" )، وكذلك بعض الحركات اليسارية، وغيرهم من التنظيمات.
في تلك الفترة – وأكرر، تماما كما يحدث هذه الأيام وبنفس الصيغة الصحفية والمصطلحات السياسية الرسمية- لقي مشروع إلغاء قراري العفو المذكور تأييدا كبيرا من قبل الرأي العام و"أمهات ساحة مايو". في عدد صحيفة "لاناسيون" الصادر بتاريخ 13/2/1998 عددت تلك الأمهات الشخصيات العسكرية المتورطة فيما يسمى هنا "بجرائم واغتصابات حقوق الانسان" على النحو التالي:
Alfredo Astiz, Zaza Martinez, Domínguez, Emilio Massera, Bussio, Aldo Rico, Patti, Ruiz Palacios, Jorge Videla, Ulloa, Ruben Occar Franco, Leopoldo Galtieri, Harguindeguy, Suarez Mason.

وفيما يخص "المدرسة الميكانيكية للقوات" فقد أعلن الرئيس "منعم" في شهر مارس 1998 عن رغبته في هدم مبنى الكلية الميكانيكية للقوات البحرية (وهو حسب تعبير الصحف حينها " المقر الذي كانت ترتكب فيه جرائم الحكم العسكري خلال الفترة المعنية") وتشييد نصب تذكاري في نفس المكان بحيث يجسد "الوفاق الوطني" المنشود وهو ما لم يلق أي تجاوب حينها. إذن فإن "كارولس منعم" هو من أشعل فتيل هذه القضية الشائكة باتخاذه قرار هدم المدرسة الميكانيكية للبحرية وهو ما فهم حينها على أنه محاولة "لطمس أثر الجريمة العسكرية" كما أشير في مقالة لصحيفة "كلارين" بتاريخ 28/2/1998. وقد يكون هذا هو السبب في قرار الرئيس "كرتشنر " اليوم بتحويل المبنى إلى "متحف للذاكرة الوطنية" بدلا من هدمه. وقد تزامن ذلك مع تصريحات الملازم "ألفريدو أستيس - Astiz" والمتهم في جرائم وانتهاكات لحقوق الانسان بنفس المدرسة المذكورة التي أدلى بها لصحيفة يسارية ينوه فيها بالاغتيالات العسكرية ودور "الحكومة الدكتاتورية" وممارساتها الارهابية. أحيل بعدها على الفور إلى المحاكمة وتم فصله من القوات البحرية التي يتبعها بقرار من الرئيس السابق منعم.
من جهة أخرى اكتشف المدعي العام السويسري السيدة "كارلا دل بونتي" حسابات سرية خاصة بعدد من جنرالات الحكومة العسكرية تلك من الذين شملهم قرار العفو حينها، وحسب الاعتقاد السائد لدى منظمة حقوق الانسان وحركة أمهات ساحة مايو والأحزاب السياسية المعارضة الأخرى فإن تلك الأموال المودعة في المصارف السويسرية هي أموال وومتلكات استلبت ممن يسمون بضحايا "إرهاب الدولة" والذين كانوا معتقلين بكلية البحرية المكانيكية خلال فترة ما سمي بـ "لدكتاتورية العسكرية".
إثارة هذا الموضوع تلك الأيام وفي منتصف مشوار "النظام الديمقراطي حديث العهد اعتبره المحللون المحليون انتكاسة وخطوة إلى الوراء في طريق ترسيخ تلك الديمقراطية خلال فترة مرحلتها الانتقالية وتجاوز المرحلة بسلام. فاستمرار أي نظام لا يتأتى إلا في ظل الاستمرارية وليس القطيعة التي تتسع فيها الفجوة بين الماضي والحاضر، بين القديم والجديد. وتقريب الفجوة يتأتي بدمج القديم بالجديد وبالوفاق بين مختلف قطاعات المجتمع وتحييد الأقطاب في مرحلة تاريخية معينة: اجتياز هذه المرحلة في ظل الوفاق هو تتويج لعملية ترسيخ الديمقراطية وتحقيق الاستقرار المرجو من قبل هذا النظام.

حكومة الفونسين (1983-1989) قبلت بعملية التحول إلى الديمقراطية على أساس الوفاق والاستمرارية فحاولت دمج العسكريين في الحياة الاجتماعية (وكأن الأمر يتعلق بجسد كان غريب عنها) وطمس ماضي "القمع والارهاب" (يقال كما أشرنا أن ذلك تم تحت ضغوط عسكرية ترفض المحاكمات أدعنت لها الديمقراطية الجديدة حيث لم يكن أمامها خيار آخر. وعموما فإن أغلب حكومات أمريكا اللاتينية في تلك الحقبة كانت حكومات بالاتفاق مع العسكر). غير أن الفئة الاجتماعية المتضررة من الماضي العسكري والمعارضة لم تقبل "بالنسيان" ولا بطي صفحة الماضي فباتوا يهددون ببناء الديمقراطية على أساس القطيعة وبالتالي إجهاض المرحلة الانتقالية والدخول في "أزمة الديمقراطية" أو تفجير الوضع. من أجل تفادي ذلك سارعت الحكومة حينها (منعم + العسكريين برئاسة قائد الآركان "مارتين بالسا" Martin Balza ) إلى درء خطر التمزق الاجتماعي بتقديم الاعتذارات العلنية، حيث اعترف "بالسا" (تماما كما فعل الأميرال "غودوي" الأسبوع الماضي) بالجرائم التي ارتكبها جنرالات الانقلاب العسكري سنة 1976 وتوعد بمحاكمة الملازم "أستيس" بسبب تصريحاته لصالح عمليات القمع العسكري لينقد بذلك بقية شرف الجيش، ولو أن الجميع كان يعلم أن الملازم "أستيس" لم يعاقب على جريمة قد تكون اقترفت في الماضي وإنما عوقب لكونه تفوه بحقائق أججت المشاعر وتكشف عن حقيقة إعداد الحكومة العسكرية حينذاك لضباط مدربين لاغتيال صحفيين وسياسيين.
وقد عارض "منعم"، والذي لا يرغب في فقدان السيطرة على الجيش، مشروع النائبين المعارضين الهادف إلى إلغاء قانون العفو الذي أصدره لكون ذلك يهدد الأساس الذي بنيت عليه هذه الديمقراطية في نظره. (كما علق البعض بأن "أستيس" ما هو إلا "كبش فداء" أرغم على التفوه بذلك التصريح لصحيفة يسارية بأمر من Zaza Martinez حلقة الوصل بين حاشية منعم والقوات البحرية لإبعاد النقمة عن هذه الأخيرة وصبها على شخص واحد.
ولعل ما أبعد في نظر العسكريين أي ذنب لحكومة منعم في إثارة هذه القضية الشائكة هو كون الكشف عن الحسابات المصرفية لبعض العسكريين المتهمين في تلك القضايا في حسابات سويسرية جاءت بمحض الصدفة عندما كان القاضي الاسباني المشهور "بالتازار غارسون" يتابع قضية اختفاء 600 مواطن من أصل اسباني خلال فترة الحكم العسكري المعنية بهدف العثور على ما يفيد الغنى غير المشروع لهؤلاء العسكريين من خلال استحواذهم على أموال وممتلكات "ضحاياهم المعتقلين"، أو العثور في إحدى هذه الحسابات والصناديق المصرفية على وثائق تدل على مصير هؤلاء الضحايا المنكوبين. كانت تلك هي اول ثغرة يستغلها المؤيدون لخيار "القطيعة مع الماضي" مستعينين في ذلك بثغرة أخرى في قانوني العفو الذين يحولان دون محاكمتهم، ألا وهي أنهما لا يشملان الجرائم الاقتصادية. وفي هذا الخصوص تم التوصل إلى كشف النقاب عن حسابات سرية (أو ما عرف بالأموال القذرة) في سويسرا باسم الشخصيات التالية:


· الملازم "الفريدو أستيس" Astiz المشار إليه آنفا والذي تولى قيادة فرقة داخل المدرسة البحرية عندما لم يكن عمره يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر. متهم بتنفيذ عملية اختطاف الشابة السويدية "داغمار هاغلين" Hagelin وكذلك اعتيال الراهبتين الفرنسيتين "آليس دومون" Domon و "ليوني دوكيت" Duquet واستحق بذلك عقوبة السجن المؤبد غيابيا من قبل القضاء الفرنسي سنة 1990. وفي سنة 1977 تسرب إلى داخل مجموعة أمهات ساحة مايو وأعد لعملية اختطاف ثلاثة من اللاتي قمن بتأسيس هذه المجموعة. أمهات ساحة مايو مازلن يتهمنه باختطاف أطفال من أبناء الضحايا المعتقلين في تلك السنوات والذين أنجبوا داخل المعتقلات ويتم التصرف فيهم وتعديل هوياتهم الأصلية وتسليمهم لأبوين غريبين عنهم كعنصر من عناصر مقاومة التمرد حينذاك. خلال حرب الملفيناس استسلم "أستيس" أمام القوات الانجليزية بسرعة وبدون مقاومة. وفي سنة 1987 حوكم لاشتراكه في تعذيب 17 شخصا. شمله قرار العفو (استنادا على قانون وجوب الطاعة) الذي أصدره ألفونسين في تلك السنة. وفي يوم 23 يناير أي النار 1998 طرد من القوات البحرية لتبجحه بالجرائم والقمع العسكري في سنوات الحكم العسكري 76-83 إفرنجي، ويعتقد بأن الأموال المودعة في حسابه بسويسرا قد تكون الأموال المخصصة من قبل القوات في الخارج للمهمات الاستخباراتية. في هذا الصدد أشارت الصحف حينها إلى حوالات مصرفية كانت ترسل إلى مكتب الملحق العسكري وملحق القوات البحرية والجوية في السفارة الأرجنتينية في بريتوريا.


· رئيس الاستخبارات السابق بالكلية الميكانيكية خورخي اكوستا (الملقب بـ "تيغري"- أي " النمر") وأحد المسؤولين عن مقر الاعتقالات داخل الكلية. وتضيف اللجنة الوطنية المختصة بمحنة المختفين خلال العهد العسكري ( CONADEP) أن "خورخي أكوستا" Acostaالمذكور "كان يستمتع بالإشراف شخصيا على عمليات التعذيب" كما جاء على لسان بعض الذين نجوا من الموت في ذلك المكان الذي التهم 5000 ضحية من المعتقلين. له سوابق جنائية متعلقة باختلاس ما مقداره 40 مليون دولار من المصرف المركزي. في شهر النوار-فبراير 1987 اعتقل بتهمة انتهاكات لحقوق الانسان. بعد ذلك بخمسة أشهر أطلق سراحه بفضل قانون "وجوب الطاعة" الذي أصدرته حكومة "ألفونسين" بحجة امتثاله لأوامر رؤسائه.


· حاكم محافظة توكومان سابقا –الجنرال أنتونيو دومينغو بوسي Bussi والذي شغر ذلك المنصب منذ فترة الحكم العسكري (1976) وضل يقود عمليات القمع من مقر محافظته. كما تنسب إليه تهمة اغتيال عضو مجلس الشيوخ "اليغناسي" Alignassi حينذاك، غير أنه لم يكن بالإمكان إخصاعه للمحاكمة لأنه ضمن الذين شملهم قانون العفو كذلك. في مارس 1998 نظر المجلس التشريعي للمحافظة بضغوطات من المعارضين البيرونيين والراديكاليين معا في ذاك المجلس في مسألة إقالته من منصبه على ضوء التحقيقات حول مصدر الأرصدة المودعة بإسمه في مصارف سويسرية. في تلك الأثناء حاول أنصاره وحزبه (القوى الجمهورية Fuerza Republicana ( تمييع القضية والتركيز على كونها جريمة اقتصادية أكثر منها سياسية وبالتالي يشملها قانون العفو. ورغم ذلك أصرت المعارضة في مجلسه التشريعي على تنحيه من منصبه كخيار وحيد لتفادي محاكمته سياسيا. كما درست الحكومة المركزية في ذلك الوقت احتمال التدخل فدراليا في المحافظة المعنية وهو ما أجهض في نظر المعارضين للجنرال التحقيقات التي كانت تهدف إلى إدانته بشكل نهائي.


· الضابط "كارلوس ألبيرتو بيغا" Vega المسؤول الإداري عن معتقل "لابيرلا" La Perla وهو أكبر مركز سري للتعذيب في مدينة قرطبة بنفس الولاية والذي لقي حتفهم فيه قرابة 3000 مواطن من المشتبه في انتمائهم للمتمردين اليساريين وغيرهم. ويعرف هذا الضابط في أرشيف القضاء الاسباني على أنه مساعد قائد المعسكر الثالث للجيش في محافظة قرطبة، الجنرال "لوسيانو بنيامين مينينديس" Bemjamin Menendez.


· العقيد "روبيرتو روالديس" Roualdes المدير السابق لهيئة الأمن عن المنطقة التابعة للعاصمة الفدرالية للهيئة الأولى للجيش. كما يعرف بأنه اليد اليمنى للجنرال "كارلوس غيليرمو سواريس مايسون" Suárez Mason (رئيس الهيئة الأولى للجيش خلال فترة ما سمي بـ "الحكومة الدكتاتورية الأخيرة" ومتهم في 39 جريمة اغتيال. فر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولكنه أجبر على الرجوع والمثول أمام الغرفة الفدرالية). العقيد "روالديس" صرح بأنه "إله الحياة وإله الموت" في معسكر الاعتقال المسمى "إل أوليمبو" El Olimpo. أحيل على التحقيق في قضايا متعلقة بانتهاكات لحقوق الانسان وبمسؤليته عن اختفاء السفير الأرجنتيني "هكتور هيدالغو سولا Solá وآخرين. كما نسبت إليه مسؤولية التورط في تصفية وإفلاس مصرف "هورلينغهام" وفي اختفاء الأخوين "تشافان Chavanne. توفي بتاريخ 29/12/1995.


· وكيل النيابة للشؤون الجنائية بالعاصمة الفدرالية "أوسكار هيرميلو" Oscar Hermelo، والذي وشى به الملازم "سيلينغو" Scilingo- أحد المسؤولين داخل الكلية الميكانيكية للبحرية في تلك الآونة والمتواجد حينها في مدريد على دمة التحقيق الذي يرأسه القاضي الاسباني "بالتسار غارسون"، حيث أكد أن Hermelo كان على علم تام بكل ما كان يجري داخل المدرسة الميكانيكية ESMA وأن الضحايا في تلك الآونة كان يتم تخذيرهم قبل أن تقلهم طائرة عسكرية لترمي بهم شبه أحياء في مياه نهر "لابلاتا" –وفق تعبير صحيفة "كلارين" المؤرخة في 8/2/1998. وتجذر الإشارة إلى أن القاضي الاسباني طالب في تلك السنة بمثول 9 من كبار الضباط الأرجنتينيين أمام القضاء الاسباني وأكثر من 200 آخرين للإدلاء بشهاداتهم، وهو ما لم يفلح في تحقيقه حتى الآن حيث أن الحكومة الأرجنتينية تفضل "التفاهم" مع عسكرييها داخليا تفاديا لنقمة جيشها وحفاظا على استقرارها كحكومة.

ما يعين الحكومات المتتالية الأرجنتينية على تكرار نفس الأسلوب واستغلال بعض الظروف السياسية لكسب تأييد قطاعات الشعب المختلفة هو كون الشعب الأرجنتيني شعب سريع النسيان ولذا فهو عرضة للتعثر في نفس الحجرة أكثر من مرة فلا يستفيد من دروس التاريخ حتى القريب منها. فعلى صعيد الأزمات الاقتصادية شهد ما هو أعتى من هذه الأخيرة (سنة 2001 مثلا) منذ حكم ألفونسين سنة 1983 وحتى هذه اللحظة مرورا بحكومة "منعم". حكومات الأرجنتين تجيد استغلال نقطة الضعف هذه في شعبها وكلما ثار الشعب كما فعل سنة 2001 - على سبيل المثال لا الحصر- تختبئ منه وتدع الأيام تأتي على ثورته لتعيد فعلتها من جديد وبنفس الصفاقة وهكذا دواليك.


إلغاء قوانين العفو وإذلال الجيش لا يلغي الماضي ولا يحسن من ظروف المستقبل لكونه يقتص في نظر العديد من المحللين من جهة واحدة ويتغاضى عن الطرف الآخر في النزاع، وكأن المجتمع يمحو نصف الذاكرة ويترك الأخرى. في هذا الصدد لا يشير قرار القاضي "كانيكوبا كورال" إلى سقوط قرار العفو عن بعض المتمردين واليساريين ممن شاركوا في تلك الاضطرابات، بل يجعل كل المسؤولية تنصب على الهيئة العسكرية. فهل لانتماءات "كرتشنر" اليسارية في الماضي علاقة بهكذا عداوة؟!. لا ننسى أنه قرر أن يكون رئيسا لبلده بالتحديد بعد الانقلاب العسكري سنة 1976 مباشرة على حد قوله !!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لأي استفسار أو تعليق مراسلتنا على البريد التالي: libiahoy@gmail.com