الأرجنتين وصندوق النقد الدولي


وأزمة الديون




اعتبارا من شهر أغسطس 1982، وهو التاريخ الذي بدأت فيه المكسيك في التراجع عن الوفاء بالتزاماتها المالية مع البنوك الدولية التجارية، حدت دول أخرى حدوها بمن فيهم الأرجنتين. ومنذ ذلك الحين توالت العديد من الرؤى فيما يخص معالجة قضية الديون:
· في الفترة من 1982 إلى 1985 كان الاعتقاد السائد أن القضية عابرة ومؤقتة ومقتصرة على حالات محددة من الدول المدينة، وأن التكيف الاقتصادي لتك الدول وإعادة جدولة الديون فيها تكفي لوضع حد للأزمة. غير أن ذلك لم يحدث، بل أن حدة الأزمة زادت مع مرور الزمن.


· بنهاية سنة 1985 أعلن عن خطة جديدة لمعالجة مسألة الديون سميت "خطة بيكر" Baker وتتلخص في التركيز على التكيف الهيكلي للقطاعات المنتجة للسلع ذات التداول الهام لتفعيل الاستثمار وبالتالي النمو. غير أن هذه الخطة لم تحقق هدفها من تمكين سداد خدمات الديون تامة و لا من عبور تلك الدول باتجاه سوق القروض المالية الدولي في ظروف عادية، بل أن البنوك التجارية توقفت عن التمويل تاركة كل العبء على المؤسسات المالية الدولية التي لم تكن وحدها قادرة على سد العجز في تمويل الاستثمارات المرجوة.
· في مارس 1989 أعلن عن خطة وزير الخزانة الأمريكي "بريدي" Brady والتي نصت على تخفيض تقليص حجم الديون من خلال مقايضة الديون القديمة بديون جديدة بتخفيض في خدماتها أو في مجملها تحت ضمانة المؤسسات المالية الدولية. وقد قامت العديد من الدول بإعادة جدولة ديونها بما في ذلك الأرجنتين. وفي الفترة من أبريل 1992 و 1993 تمت مقايضة الديون القديمة بالديون الجديدة في إطار خطة "بريدي".
وبالرغم من أن الخطة الجديدة كانت ذات تأثير أهم من سابقاتها على اقتصاديات بعض هذه الدول المدينة إلا أنها لم تفلح في إيجاد حل للأزمة الأرجنتينية. وبولوج عقد التسعينيات تعاقبت العديد من الأزمات في العديد من تلك الدول لمن فيها الدول التي وافقت على جدولة ديونها وفق اتفاق "بريدي". فلم يكن عرض خطة "بريدي" مفيدا للدول المدينة باعتباره يمثل مقايضة الديون القديمة بشروط و"ضمانات" الديون الجديدة. من هنا دخلت تلك الدول عقد التسعينات مثقلة الكاهل تجرجر وراءها ديون عقد الثمانينات الثقيلة. غير أن عقد التسعينيات شهد فيما بعد انخفاضا في سعر الفائدة على الصعيد الدولي وهو ما أثر إيجابا على اقتصاد الدول المتقدمة انعكس بالإيجاب نسبيا على ما يسمى بالدول "الصاعدة". ذلك الانتعاش النسبي ساهم في بعض الحالات في سداد التزامات هامة للمؤسسات المالية الدولية، غير أن انسياب رؤوس الأموال على هذه الدول وخاصة دول ما يسمى بالقطب الجنوبي الذي دخل في تجربة تحرير السوق (مثل "تشيلي"؟؟، الأوروغواي والأرجنتين) ساهم في ازدياد مديونياتهم بشكل لا يحتمل إلى الحد الذي تسبب فيه في أزمات اقتصادية حادة. وبذلك تعاقبت الأزمات ابتداء بأزمة "تاكيلا" ثم أزمة اقتصاديات جنوب شرق أسيا، ثم البرازيل فالأرجنتين حيث انهار نظام ربط العملة بالدولار. الفارق الوحيد بالمقارنة بالعقود السابقة هو كون العولمة اليوم تتكفل بتفشي عدوى الأزمات بين الدول بشكل متناهي السرعة. وإزاء تلك الأوضاع المتأزمة وخوفا من انتشار عدوى الأزمات قررت الخزانة الأمريكية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي وضع استراتيجية جديدة لتحفيز نشاط المؤسسات المالية الدولية، الأمر الذي ساهم في عدم تدقيق المؤسسات المقرضة والمستثمرة الخاصة في المخاطر والمجازفات التي قد يتعرضون لها في هذه الدول وذلك لاعتمادهم على تدخل صندوق النقد الدولي لانقاذهم في جميع الأحوال. إثر ذلك تدخلت الحكومة الأمريكية منذ سنة 2000 لوضع حد لتلك الاستراتيجية "المنحرفة" وللكوارث التي تسببت فيها تدخلات صندوق النقد الدولي والمؤسسات المتعددة الجنسية وحكومات الدول المتقدمة، مفضلة الاعتماد في المقابل على القوانين الطبيعية للسوق. وتجدر الاشارة إلى أن الأرجنتين كانت أكثر المتضررين من تلك الاستراتيجية التي تمثلت في الاستدانة المستديمة من المؤسسات المالية الدولية في جميع الظروف وساهمت في شل قدراتها على تغيير سياساتها الاقتصادية بالشكل المطلوب منها وخاصة في نظر الولايات المتحدة الأمريكية.
وسرعان ما دخلت الأرجنتين في وضع العجز عن سداد ديونها وشهدت أعمق وأحد أزمة في تاريخها الاقتصادي. بانهيار نظام الارتباط بالدولار Convertibility وسعر الصرف الثابت، وفي وجود اختلال متراكم في الأسعار النسبية خلال التسعينيات، ترتب على ذلك تضخم حجم الديون الخارجية بنسبة عالية بالنظر إلى الانتاج الخام المحلي حيث انتقلت نسبة التضخم على هذا الأساس من 53% سنة 2001 إلى 150% إثر التخلي عن نظام ربط العملة المذكور (اعتبارا من ديسمبر 2001).
إثر قرار المؤسسات الدولية العدول عن إنقاذ البنوك المتورطة في ديون دول مدينة إزداد تأزم الموقف الأرجنتيني حيث لم تكتف المؤسسات المالية والصندوق الدولي بحجب القروض عنها بل أنها طالبت بتخفيض عام لحجم القروض المعروضة. وقد حال ذلك دون إمكانية التوصل إلى اتفاقات تضمن للأرجنتين خفض التكلفة بالنسبة للدولة ولمقرضيها، وجعل عملية إعادة جدولة الديون أكثر محدودية مما سبق، ووضع الجهات الدولية أمام ضرورة تقليص حاد في حجم هذه الديون إذا ما رأت الاستمرار في إعادة برمجة الديون. من جهة محلية ينصح بإدخال تعديل على السياسة الاقتصادية بحيث تراعى التكلفة الهيكلية للتمويل المستديم. كما أن السلطات الأرجنتينية من جانبها تعتزم الاستمرار في سياستها لتجنب المزيد من القروض من طرف الصندوق الدولي إذا ما سمحت لها امكاناتها المالية والنقدية بذلك، وهي نفس السياسة التي ينتهجها الصندوق ولو أن المقاصد تختلف في كلتا الحالتين. ثم أن النتائج الاقتصادية الضئيلة التي تزامنت مع المفاوضات مع الصندوق الدولي والاشتراطات المتشددة من قبل الصندوق دعمت القرار الأرجنتيني المذكور.
وبغض النظر عن توفر عامل الثقة (المجازفة الأخلاقية) مع دول مدينة لتفعيل القروض من عدمه فإننا لا نعلم مدى مراعاة صندوق النقد الدولي لهذا الشرط عندما يتعلق الأمر بتقديم مزيد من القروض، كما لا نعلم مدى جدية تعامل هذا الصندوق مع مسألة إعادة هيكلة الديون بحيث تسهم في خفض التكلفة للجانبين.
ليس من المجدي لأي من الأطراف ممارسة الضغوطات على الدول المدينة ذات السيادة ولا حث المؤسسات المالية الدولية وحكومات الدول المتقدمة على ممارسة الضغوط السياسية ضدها. من جهة أخرى، هناك تناقض صارخ بين التصريح بعدم استخدام الأصول العامة لإنقاذ المقرضين الخواص من جهة وبين ممارسة الضغوطات السياسية للدفاع عن مصالح خاصة كي يضطر المدين صاحب المشكلة إلى تقديم تنازلات بخصوص إعادة الجدولة تضر بموارده وثرواته ولا تتفق مع قدرته على السداد. من هنا يستوجب على جميع الأطراف الأخذ في الاعتبار الإجماع الداخلي في الدولة المدينة قبل الإجماع الخارجي (المقرضين).
من ناحية أخرى تشكك الأرجنتين في قدرتها على الوصول إلى السوق الدولي لرؤوس الأموال مهما كانت التكلفة، باعتبار سعر الفائدة العالي المعروض على الأرجنتين في الأشهر الأولى في حالة موافقتها على إعادة جدولة ديونها.
إذا خضعت الدولة المدينة المتورطة في ديون لضغوطات سياسية مصدرها المقرضون الخواص فإن ذلك في الواقع لن يكون إلا على حساب وصولها مستقبلا لأسواق المال الدولية على المدى المتوسط والطويل. ليس هناك من حل إلا من خلال التوصل إلى اتفاق لإعادة هيكلة المديونية بما يتيح للقطاع العام للدولة المدينة العيش بمواردها الخاصة خلال مهلة مناسبة.

اخطاء صندوق النقد الدولي في تنبؤاته على مستوى الاقتصاد الكلي وفي تشخيصه للأزمة وفي السياسات التي نصح بها:مرحلة التباطؤ الاقتصادي التي أدت إلى انهيار نظام ربط العملة بدأت في منتصف سنة 1998. ثم زادت حدتها وتعمقت منذ منتصف سنة 2001 عندما اقتنع عملاء الاقتصاد باستحالة المحافظة على سعر الصرف. منذ تلك السنة وحتى منتصف 2001 حيث إلغاء نظام الربط انهار الانتاج بنسبة 15%. وخلال الربع الثلث الأول من سنة 2002، وبعد أن أعلن عن تقليص العملة والعجز عن سداد القدر الأكبر من الدين العام، استمر انهيار النظاط الاقتصادي. غير أنه وضد كل التوقعات بمزيد من الانهيار توقف هذا التدهور وبدأت تظهر بوادر للإنتعاش النسبي اعتبارا من الثلث الثاني من نفس تلك السنة. وكان ذلك هو ما اثار استغراب صندوق النقد الدولي حيث أن الاستشارات التي قدمت إليه خلال تلك السنة الحرجة (2002) كانت كلها تعارض الاجراءات الاقتصادية بشكل عام والسياسة المالية والضريبية التي انتهجتها الحكومة الأرجنتينية بشكل خاص. كما أن الصندوق أخفق في التنبؤ بالفرضيات المتعلقة بتطور الاقتصاد وسلوك العوامل الاقتصادية في تلك الفترة الحساسة، وشككت في الانتعاش الذي أحرزه الاقتصاد اعتبارا من الثلث الثاني من السنة المشار اليها. بل وأن الصندوق ضد كل المؤشرات تنبأ بانخفاض يترواح بين 16% و 20% من اجمالي الناتج الخام المحلي (الانخفاض لم يتجاوز 10,9% في تلك السنة).
على صعيد آخر ساهمت الأزمة في تدهور القطاعات التي تسهم في القدر الأكبر من الناتج الخام المحلي والتي تنتج سلع لا تدخل في التعامل التجاري لكون الأزمة حرمتها من القروض مما تسبب في تدهور النظام المالي.
من جهة أخرى كانت الأرجنتين ترى أنه في أعقاب أي انكماش اقتصادي حاد وانقطاع انسياب رؤوس الأموال، فإن سعر الصرف الحقيقي الذي يحقق التوازن يجب أن يكون أكثر انخفاضا من ذلك الذي اقترحه أعضاء الهيئة الفنية لصندوق النقد الدولي.
في شهر يونيو من سنة 2002 اعترض الفريق الفني بصندوق النقد الدولي على تدخل السلطات الاقتصادية الأرجنتينية في سعر الصرف مطالبا بالتحرير الفوري لسوق الصرف وكف يد الحكومة عن الاحتياطي الدولي بالمصرف المركزي للتحكم في تضخم العملة. السبب الذي يمنع الأرجنتين من استخدام هذه الأداة التي طالما استخدمت من قبل غيرها من الدول المتقدمة والنامية هو وبكل بساطة أن ذلك الاحتياطي ليس ملكها لأن الأرجنتين مدينة لصندوق النقد الدولي بكل تلك القيمة. وقد كان الصندوق الدولي بالفعل وبتاريخ سابق (فبراير 2002) قد أجبر الأرجنتين على اتباع سياسة تعويم العملة بحيث يحدث الاتزان في السوق أوتوماتيكيا عن طريق الأسعار ومن خلال ارتفاع الدولار. وتماما ووفق التوقعات ارتفعت فقاعة سعر الدولار ولم يكن أحد يتجرأ على التكهن بحده الأقصى، مما أدى إلى ارتفاع في الأسعار وتسبب في مخاطر جديدة أمام استقرار النظام المالي المحلي. كما هددت فقاعة سعر الدولار وضعية هؤلاء العملاء الاقتصاديين المدينين للخارج الذين لم تطالهم عملية "البيسوة". ولم تتوقف "فقاعة" سوق الصرف إلا بحلول شهر مايو إثر قرار الحكومة وضع حد لإرتفاع الدولار وتصحيح المسار باتخاذ إجراءات أخرى معاكسة لما يراه صندوق النقد الدولي فمزجت بين تدخل المصرف المركزي من جهة وتشديد الرقابة على الصرف من جهة أخرى.
كما اقترح الصندوق الدولي حينذاك مقايضة سندات مصرفية مقابل أرصدة زبائن المصرف المحجوزة بشكل تعسفي بينما رأت السلطات الأرجنتينية عكس ذلك تفاديا لمزيد من النفور وردود الفعل التي قد تضر أكثر وأكثر بالنظام المصرفي والنظام الاقتصادي عموما. بهذا تجاهل الصندوق الدولي مرة أخرى العنصر الاجتماعي السياسي في هذه العملية وكذلك الضوابط المؤسسية حيث شكاوى المتضررين من أزمة المصارف أمام الهيئات القضائية الأرجنتينية، ضاربا عرض الحائط بالظروف التي تحيط بهذه الأزمة والتي يجب أخذها في الاعتبار من طرف صناع السياسة الاقتصادية في هكذا حالات.
فيما يخص النظام المصرفي فقد كرر فنيو صندوق النقد الدولي مع الأرجنتين ذلك الخطأ المرتكب مع إندونيسيا، حيث نصحوا باستخدام مايسمى بـ "استراتيجية الصدمة". هذه الاستراتيجية تكمن في التخفيض الحاد لعدد المصارف وفقا لمبدأ القدرة والسيولة المصرفية بحيث يتم اقفال تلك البنوك التي تواجه مصاعب إدارية من هذا النوع. في مقابل ذلك رأت الحكومة الأرجنتينية خلاف ذلك من خلال تطبيق "التدرجية" في هذه الحالات والتركيز على تقليص الفروع –كاستراتيجية لتعديل هيكل النظام المالي- بدلا من البنوك الأم وذلك لأن هذه الأخيرة سبق أن قلصت إثر أزمة "تاكيلا" الأخيرة. هذه الاستراتيجية أعطت المجال للمصارف للتكيف مع الظروف الجديدة للسوق والامتصاص التدريجي للخسائر التي تسببت فيها الأزمة وكذلك تعويض وإصلاح قاعدتها المالية، ناهيك عن استعادة الزبائن لثقتهم في المصارف خاصة مع منتصف سنة 2002 بانتعاش الايداعات المصرفية. من جهة أخرى انتقد صندوق النقد الدولي الأرجنتين لتسرعها في السماح للمودعين بسحب ارصدتهم متحججا بأن عدد الأرصدة المودعة الجديدة في المقابل ما زال ضئيلاً.
كما أن صندوق النقد الدولي شكك في قدرة الحكومة الأرجنتينية على سحب كل العملات الموازية (سندات مصرفية أصدرتها الولايات الأخرى) من السوق المحلي خاصة وأنها كانت تستخدم كأداة شرائية إثر الأزمة.
فيما يخص السياسة الضريبية أصر صندوق النقد على مزيد من التكيف والضبط الضريبي على اعتبار أن ذلك هو ما تجاهلته الأرجنتين وأنه كان سببا في تدهور نظام الربط بين العملة المحلية والدولار الذي كان ساريا. ومع انتهاء ذلك النظام استمر صندوق النقد الدولي في المطالبة بمزيد من التكيف في النفقات الأولية. الحكومة الأرجنتينية كانت تعي أهمية التكيف المالي الضريبي (تراجعت عن طلبها بسيولة جديدة من الصندوق الدولي بما قيمته 20 إلى 25 مليار دولار) ولكنها كانت في الوقت نفسه على دراية بأن المشكل الأساسي زمن نظام ربط العملة كان يتمثل في الهوة الفاصلة بين الأسعار النسبية والقيم اللازمة لتحقيق التوازن. وعلى هذا الأساس رأت الحكومة الأرجنتينية استحالة الرجوع إلى الأسعار النسبية المثبتة والمعمول بها في التسعينيات. ثم أنها كانت تعي على صعيد السياسة الضريبية أن تغير الأسعار النسبية يتيح تخفيف ثقل النفقات العامة على المنتوج خاصة وأن تركيبة هذا الأخير تشمل نسبة بسيطة من السلع والخدمات الداخلة في التعامل التجاري. وبالفعل أدى التخفيض في قيمة العملة وتقلص النفقات إلى تكيف في النفقات المالية الأولية حيث انخفضت من 20% من قيمة الناتج الخام المحلي لإى أخر سنوات نظام ربط العملة إلى 16% سنة 2002. كما أسهمت إجراءات مالية أخرى -مثل ضريبة الصادرات وضريبة الأرباح الشخصية والتحصيل الضريبي عموما -في تحقيق فائض مالي أولي متزايد.
من جهة أخرى، إدارة الصندوق الدولي لم تراع العامل الاجتماعي في هذه الأزمة وأصرت على الاستمرار في التكيف في النفقات المالية على حساب القطاعات الاجتماعية المتضررة مما كان سيؤدي إلى مزيد من الاضطرابات الاجتماعية. خلاصة كل ذلك أن توصيات الصندوق الدولي استندت إلى تقييم خاطئ عن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وعن آلية حركة الاقتصاد الأرجنتيني. مقابل ذلك رأت هذه الحكومة أن تتبع سياسة مالية تستغل الطلب المكبوت والقدرة الإنتاجية الفائضة لتمكين الانتعاش الاقتصادي السريع دونما الوقوع في خطر التضخم الهائل. كما أن هذه الحكومة تنتقد تركيز فنيو الصندوق الدولي على الصرامة في التكيف المالي متجاهلة حقيقة أن نظام ربط العملة السابق كان يعتمد بشكل متناهي على انسياب رؤوس الأموال الأجنبية لضمانة النمو، مما كان يجبر هذه الاقتصاديات على تطبيق مزيد من التكيف في كل مرة باعتبار أنها اقتصاديات تعتمد على رأس المال الأجنبي لتفعيل النمو الاقتصادي. من هنا كان المسؤولون في صندوق النقد الدولي يطالبون برفع مستوى الفائض الأولي واتخاذ إجراءات لرفع قيمة العملة المحلية بهدف "زيادة القدرة على السداد".
كما ترى الحكومة الأرجنتينية أنه ليس من الصحي أن يركز الصندوق الدولي على فرض إصلاحات هيكلية كشرط من شروط الصندوق بدلا من التركيز على أهداف تتعلق بالاقتصاد الكلي (السياسة المالية الضريبية نوع الصرف، والسياسة المالية والنقدية). ويتعين على صندوق النقد الدولي الأخذ في الاعتبار المسائل التالية:
· التقليل من التدخل قدر الامكان في القرارات السياسية الاقتصادية للدول المدينة. يجب أن لا يشعر المواطن أن الاصلاحات الاقتصادية ناجمة عن ضغوطات من الخارج.
· الحد من الشروط المتعلقة بالاصلاحات الهيكلية.
· المرونة في التعامل مع الحكومات في حالة فرض إصلاحات هيكلية وعدم إثقال كاهلهم بشروط قاسية وخاصة تلك الدول التي تحتاج لموافقة برلمانية (مورست ضغوطات سنة 2002 من قبل الصندوق لفرض لإلغاء قانون الجرائم الاقتصادية الذي أصدره أخر نظام دكتاتوري في الأرجنتين لكونه منافي لمبدأ الديمقراطية، ولو أنه كان استمر لتمكنت العدالة من الاقتصاص ممن قاموا بتهريب الأموال إلى الخارج خلال الأزمة. ورغم أن الأرجنتين أوفت بهذا الشرط وألغت القانون إلا أنها لم تتحصل على الدعم المرجو من قبل تلك المؤسسة المالية على مدى تلك السنة).
· من أشكال التدخل الأخرى التي مارسها الصندوق الدولي ممارسته لضغوط شتى من أجل إجبار الحكومة على استصدار قانون يوضح يعيد النظر في توزيع الحصيلة الضريبية بين الحكومة الفدرالية والولايات الأخرى، مع العلم بأن أي تغيير في النظام الحالي للتوزيع الضريبي مع الولايات قد لا يخدم العديد منها بل قد يضر ببعضها لصالح ولايات أخرى تملك أكبر كثافة سكانية مثلا ولا تملك الحكومة الفدرالية إعانتهم لاضمحلال الحصيلة الضريبية أصلا لأسباب بديهية. كما أن الضغط على الحكومة الفدرالية لتمرير هذا القانون جعلها في موقف الضعيف تجاه الولايات الأخرى التي أحست بحاجة الحكومة الفدرالية للتوصل وبسرعة لاتفاق مع الصندوق الدولي وبالتالي بدأت في المساومة السياسية بشكل يخدم مصلحة الولايات القوية منها على حساب أخرى. وعليه نخلص إلى أنه كلما كان برنامج صندوق النقد الدولي متمركزا على الشروط الهيكلية التي تتجاوز صلاحيات الحكومة في نظام جمهوري فإن النتيجة المنتظرة ستكون حتما مخالفة لما كان متوقعا منها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لأي استفسار أو تعليق مراسلتنا على البريد التالي: libiahoy@gmail.com